دور الأسرة في تربية الأطفال، ونموهم الاجتماعي والعاطفي
الأسرة هي اللبنة الأولى التي يتكوَّن فيها وعي الطفل وتتشكّل شخصيته، فهي التي تغرس القيم، وتحقق الأمان، وتبني الذكاء العاطفي والاجتماعي. والعلاقة الصحية بين الوالدين، والحوار الصادق مع الطفل، والتوازن بين الحزم واللين؛ كلها عوامل تؤسس لطفل سويّ قادر على التفاعل مع محيطه بثقة ووعي، كما أنّ الإهمال أو القسوة أو التدليل الزائد تهدم هذه الأسس وتُربك نموه النفسي والاجتماعي.
تعتبر الأسرة اللبنة الأولى في بناء شخصية الطفل، وهي المحضن الرئيس الذي يُشكّل هويته ويُؤثر بشكل جذري على مسار تطوره الاجتماعي والعاطفي، وتُعد تربية الأطفال داخل الأسرة عملية ديناميكية ومعقدة، تهدف إلى إعداد أفراد قادرين على الانخراط بفعالية في المجتمع ومواجهة تحديات الحياة بتوازن نفسي.
وأقصد بالتطور الاجتماعي والعاطفي عند الأطفال: تلك العملية التي بموجبها يطور الطفل علاقته الإيجابية مع الآخرين كبارًا أو أقرانًا من خلال فهم المشاعر وتنظيمها بشكل مناسب مع تقدمه بالعمر.
ولمعالجة هذا الموضوع سأقسمه إلى محورين:
المحور الأول/ دور الأسرة المحوري في تربية الأطفال:
تقوم الأسرة بأدوار متعددة ومتداخلة في التربية، أهمها:
1. التربية الإيمانية:
يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية الأسرة في تنشئة الطفل تنشئة إيمانية، في قوله: (ما مِن مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمة بهيمةً جَمعاء، هل تُحسُّون فيها من جَدعاء؟) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30][1]. وهذا يتطلب منذ البدء أن يكون الأبوان مسلمين حتى يتمكنا من تنشئة الطفل تنشئة إسلامية تقوم على أسس صحيحة، منها: تلقين كلمة التوحيد، وتعليم القرآن الكريم وربطه به، وتعليمه الصلاة وآدابها، فالأسرة مسؤولة عن ذلك كما بين الحديث الشريف: (كُلكم راعٍ فمسؤولٌ عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عنهم، والرَّجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم… ألا فكلُّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)[2].
فكل هذه النصوص الحديثية تؤكد على أهمية الأسرة بصفة عامة، وعلى أهمية الأسرة في تربية النشء على التربية الإيمانية وغرس العقيدة الصحيحة في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم، وهذا بلا شك سيؤثر على بناء شخصية الطفل حتى يكون نافعًا لنفسه وأسرته وأمته.
2. تحقيق الاستقرار والطمأنينة النفسية:
من الأدوار المهمة المنوطة بالأسرة المسلمة: تحقيق الاستقرار والطمأنينة النفسية؛ فالأسرة المسلمة تهدف إلى تحقيق الطمأنينة لأولادها، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، ولا محالة أن هذه الطمأنينة بين الزوجين واستقرارهما في البيت تنعكس على نفسية الطفل، وتتيح له الفرصة للنمو في جو مليء بالسعادة والمحبة وبذلك تنمو شخصيته بمقومات أساسية تساعده على النجاح في حياته في المستقبل.
3. غرس القيم الأخلاقية:
تعد الأسرة النواةَ الأولى المسؤولة عن غرس القيم الحميدة في نفوس أطفالها؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما نَحَلَ والدٌ ولدًا مِن نَحْلٍ أفضل من أدب حسن)[3]، فهذا الحديث يبين أن الطفل يكتسب أخلاقه وآدابه من أسرته التي يلزمها أن تنشئه عليها منذ الصغر قبل الكبر.
قال الماوردي رحمه الله: “فأما التأديب اللازم للأب، فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها، فينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر، لاستئناسه بمبادئها في الصغر؛ لأن نشوء الصغير على الشيء تجعله متطبعًا به، ومن أغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيرًا…
Share this content:

إرسال التعليق